Kamis, 16 Desember 2010

سيادة الحالة الواحدة من الحالات الاعرابية

ا- مدخل حول التطور اللغوي
يعد موضوع التطور اللغوي من الموضوعات التي شغلت بال كثير من الدارسين اللغويين بصفة عامة، واستوقفت دارسي اللغة العربية بصفة خاصة، ذلك أن التطور اللغوي ليس من السهولة بمكان ليظهر في لغة كاللغة العربية. وقال علاء الدين مصطفى البحلوز إن العربية قد شهدت نوعين من التطوّر:
1- التطوّر الطبيعي: وهو ما تفرضه السنن الطبيعية على اللغات، "وهي عوامل لغوية ترجع إلى طبيعة اللغة نفسها" وهذا أمر تعرضت له اللغة العربية وغيرها، ومن أمثلة ذلك، تطور الأصوات، وتغير البنى الصرفية، وهذه كلها.
2- التطوّر الطارئ: وهذا ما نشأ في اللغة العربية بفعل دخول الأعاجم في الإسلام، إذ بدأ كثير منهم باستخدام اللغة العربية كلغة بديلة عن لغته الأم، وكان لا بد للغة العربية أن تتأثر بلغتهم على اعتبار أنهم أصبحوا جزءاً من أبنائها.
وهذا يدفعنا إلى القول بأنه لولا نزول القرآن لوجدنا اللغة العربية الآن قد تحوّلت في كثير من كلماتها وأبنيتها إلى ما يشبه العاميات التي نستخدمها، فلا أحد ينكر أن هناك تطوراً يلحق جميع اللغات، واللغة العربية ليست بعيدة عن هذا القانون " غير أن العربية لها ظرف لم تتوافر لأية لغة من لغات العالم، ذلك أنها ارتبطت بالقرآن منذ أربعة عشر قرناً، ودوِّن بها التراث الضخم الذي كان محوره القرآن الكريم في كثير من مظاهره" ويبدو أن هذا الحفظ للغة العربية قد جعلها على نوعين:
أولا: لغة معيارية أو قياسية ؛ وهي تلك اللغة التي نجدها محفوظة في القرآن الكريم، وبعض كتب التراث العربي.
ثانيا: لغة دارجة ؛ وهي تلك اللغة التي يستخدمها المتكلمون في حياتهم اليومية، أو اللغة العامية، فلا أحد ينكر أن العرب الآن لا يستخدمون لغتهم القياسية (الفصحى) كلغة أم في حياتهم العامة أو اليومية، ولأن هذا الأمر قد حدث في اللغة العربية –حفظ اللغة عن طريق القرآن- ولأن اللغة العربية كغيرها من اللغات تلحقها قوانين التطور اللغوي؛ فإننا نجد ملامح هذا التطور متمثلة في اللغات المحكية (العاميات)، في الوقت الذي تنعدم في هذه الآثار من اللغة المعيارية (الفصحى) –لغة القرآن-.
ويمكننا أن نضرب هنا مثلاً بسيطاً على هذا، فنحن نعلم أن القرآن الكريم قد حفظ اللغة من كل جوانبها تقريباً، صوتياً وصرفياً ونحوياً، ونقصد بالإعراب تلك العلامات اللاحقة أواخر الكلمات، وبالمقارنة مع اللغات المحكية نرى تلك العلامات الإعرابية قد سقطت بشكل يكاد يكون شبه مطلق، فلا نعلم قوماً من العرب في أيامنا يضبطون كلامهم ضبطاً إعرابياً، وكل ما نراه هو تسكين مطلق أو شبه مطلق لأواخر الكلمات المنطوقة، فهذا تطوّر لغوي كبير وملموس يظهر في لغة العربية المحكية، في حين لا يمكن له الظهور بأي حال من الأحوال في لغة العربية المعيارية (الفصحى).
ب- الإعراب
ومن خصائص اللغة العربية التي تمتاز بها على غيرها من اللغات أنها لغة الإعراب. وإن ظاهرة الإعراب حقيقة لا تنفرد بها اللغة العربية إذ إنها توجد في بعض اللغات، إلاَّ أنها في اللغة العربية تشمل الكثير من الأفعال والأسماء حيثما وقعت بمعانيها من الجمل والعبارات. بينما الإعراب في اللغات الأخرى لا يزيد على إلحاق طائفة من الأسماء والأفعال بعلامات الجمع والإفراد، أو علامات التذكير والتأنيث .
الإعراب لغة بمعنى الإظهار والإبانة ؛ تقول مثلا : أعربت عما في نفسي أي أبنته وأظهرته. واصطلاحا هو تغيير أحوال أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا . المقصود من تغيير أحوال الأواخر تحوّلها من الرفع إلى النصب أو الجر، حقيقة أو حكما. ويكون هذا التحول بسب تغيير العوامل: من عامل يقتضي الرفع على الفاعلية أو نحوها – إلى آخر يقتضي النصب على المفعولية أو نحوها، إلى آخر يقتضي الجر، وهلم جرا.
وأحوال الإعراب - في الأسماء المعربة ، وفي الأفعال - في غير حالتي بنائه - أربعة، وهي الرفع والنصب والجر الجزم. ومنها اثنتان مشتركتان بين الأسماء والفعل المضارع، وهما الرفع والنصب, وواحدة مختصة بالاسم وهي الجر، والأخيرة مختصة بالأفعال المعربة ، وهي الجزم.
ولكل من هذه الأحوال الأربعة علامات إعراب، وهي :
1- أصلية ظاهرة، وعلامات الإعراب الأصلية الظاهرة هي : الضمة، والفتحة والكسرة، ثم السكون.
2- فرعية ظاهرة، وعلامة الإعراب الفرعية كلها، هي الألف, والواو والياء وثبوت النون وحذف النون، ثم حذف حرف العلة.
3- تقديرية غير ظاهرة، ويكون الإعراب التقديري في الأسماء المعتلة الآخر، ( في الاسم المقصور في حالة الرفع والنصب الجر، واسم المنقوص في حالة الرفع والجر، وفي الاسم المفرد المضاف إلى ياء المتكلم) ، وفي الفعل المضارع المعتل الآخر، يعني في الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف، في حالتي الرفع والنصب، وفي الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو والياء في حالة الرفع فقط .
ج‌- سيادة الحالة الواحدة من الحالات الإعرابية
تعتبر بعض اللغات عن المعاني المختلفة في جملها بما يسميه النحاة العرب " بعلامات الإعراب " ويسميه المحدثون من علماء اللغة " بالمورفيمات الإعرابية ". وفي طريق تطور اللغة ، تفقد هذه المورفيمات الإعرابية وظيفتها ، وتعتمد اللغة في هذه الحالة على نظام ترتيب الكلمات في جملها ، وعندئذ تختار هذه اللغة صورة واحدة ، من الصور الإعرابية وتبقى عليها وتهمل الصور الأخرى ، وهذا هو معنى " سيادة الحالة الواحدة من الحالات الإعرابية ".
وقبل أن نضرب الأمثلة المختلفة " نحب أن نذكر هنا أن اختيار اللغة لواحدة من هذه الصورة الإعرابية اختيار غير مشروط، فلا يستطيع أكبر عباقرة اللغة أن يعرف لماذا آثرت لغة ما صورة معينة من الصور الإعرابية، وأهملت ما عداها ؟ وسوف يتضح مدى صدق هذه المقوّلة التي نزعم أننا أصحابها ، من الأمثلة التي سنسوقها هنا كذلك.
وأول هذه الأمثلة : ما جرى للأفعال الخمسة في اللهجات العربية المعاصرة ؛ فمن المعروف أن هذه الأفعال تعرب في العربية الفصحى بثبوت النون في الرفع وحذفها في النصب والجزم. وعندما فقدت المورفيمات الإعرابية وظيفتها في اللهجات المعاصرة ، اختار الكثير من اللهجات صورة محذوف النون بصفة دائمة، فيقال في مصر مثلا : " تاكلي وتشربي وتنامي " في حالة المخاطبة و " تاكلوا وتشربوا وتناموا " في حالة المخاطبون. واختارت لهجة القصيم في قلب الجزيرة العربية ثبوت النون بصفة دائمة، فهم يقولون مثلا : هم يتمسكون بالفضيلة، وأنتم لن تصنعون شرا و لم تصنعون شرا.
وهذا الذي حدث في لهجات العربية، نراه في اللغات السامية، التي فقدت مورفيماتها الإعرابية وظيفتها كذلك؛ فبينما تختار اللغة السريانية الاحتفاظ بالنون دائما، فتقول مثلا: ( ) tektlin " تقتلين " نرى العبرية والحبشية تستقران على الصورة المحذوفة النون، فتقول العبرية ( ) tiktli والحبشية ( ) tektli كذلك.
والصورة الثاية من صور سيادة الحالة الإعرابية الواحدة إلزام المثنى الياء في اللهجات العربية المعاصرة ، مع أن الصواب في العربية الفصحى تعرب المثنى بالألف في حالة الرفع وبالياء في حالتي النصب والجر . فعلى سبيل المثال يقال في مصر : " راح مني قلمين " و " اشتريت قلمين " و كتبت بقلمين". وقد حدث مثل هذا في العبرية والسريانية؛ ففي العبرية مثلا : ( ) yadayim " يدان "، وفي السريانية ( ) tren " اثنان ".
والصورة الأخرى من صور سيادة الحالة الإعرابية الواحدة إلزام الواو على الأسماء الخمسة ( أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مال) في كل حال في العاميات المعاصرة . فيقال مثلا " أبوك جه" و "شفت أبوك " و " مَرِّيت بأبوك ". وكانت ما تزال في العربية الفصحى تعرب الأسماء الخمسة بالواو في الرفع وتنصب بالألف وتجر بالياء. فعلى النحو : أبوك أحسن الآباء، كأنّ أخاك أبا لك، المؤمن مرآة أخيه.
وهذا هو عين ما حدث في السريانية، إذ يقال فيها : ( ) `abūk دائما، على العكس من العبرية التي اختارت حالة الجر بالياء دائما ، كما في مثل : ( ) `ābīkā .وبعض اللهجات اليمنية المعاصرة، يكثر فيها التكنى بمثل : " باحسين " و " بابطين " و باخشوين". ولعل ذلك يرجع إلى إلزامهم الأسماء الخمسة حالة النصب بالألف ، في بعض المناطق والأزمان.
وكذلك - من ظاهرة سيادة الحالة الإعرابية الواحدة - الحال في جمع المذكر السالم ، الذي لزم الياء دائما ، في بعض اللهجات العربية كلها ؛. ومن المعروف أنه يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء في العربية الفصحى . فيقال مثلا : " الناس الطيبين مالهمش بخت " و " ما شفتش العيال المشاغبين ؟ " و " يا سلام على الناس الحلوين " ! ومثل ذلك حادث في العبرية والسريانية ؛ ففي الأولى يقال مثلا ( ) hatta`īm " " خطاءون " ، كما يقال في الثانية مثلا : ( ) sāfrīn " كاتبون" .
وتشبه ظاهرة " سيادة الحالة الإعرابية " ظاهرة أخرى ، من ظواهر التطور اللغوي ، المعروفة في اللغات ، وهي الظاهرة التي يمكن أن نسميها : " طغيان حالة إعرابية على أخرى " . ومن المؤكد أننا لا يمكن أن نرى مثل هذه الظاهرة في لغة من اللغات، إذا كانت محتفظة بالمورفيمات الإعرابية في الدلالة على وظائف أجزاء الجمل المختلفة فيها.
ومن أمثلة ذلك : طغيان صيغة الإسناد إلى جمع الغائبين في الماضي والمضارع على صيغة الإسناد إلى جمع الغائبات ، في مثل : " الطالبات تخاطبوا وتناقشوا " ومثل : " هم الستات يقدروا يعيشوا من غير رجّالة؟ ". وكذلك قد حدث هذا في اللغة العبرية، في نحو ( ) kātlū بمعنى : " قتلوا " أو " قتلن". وأما في العربية الفصحى فتكون صيغة الجمع في الماضي والمضاع غائبةً إذا أسندا إلى المؤنث وكذلك يجب تأنيث الفعل إذا كان الفاعل مؤنثا ولم يفصل بينه وبين الفعل بفاصل وإذا كانت الفاعل ضميرا مستتِرا يعود على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازية ، فيقال " اشتهرت الخَنْسَاءُ بالشعر " و " النساء نَهضْنَ في العصر الحديث" ، و الطالبات يَتعلَّمْنَ العربية في الفصل.
وقد اختفت نون النسوة في كثير من اللهجات العربية المعاصرة ، وطغت عليها الصيغ المذكرة في الضمائر ونحوها ، في مثل قولنا : " الستات جملهم تقيل ". ويبدوا أن الطغيان هنا قديم ؛ ففي أخبار مصر للمسبحى وتهتكهم ، وحملهم في قفاف الحمالين سكارى ، واجتماعهم مع الرجال أمرا يقبح " .
ومن الأمثلة كذلك : طغيان صيغة المضارع للمخاطبات بتاء المضارعة على صيغة الغائبات في العبرية ؛ إذ يقال في حالتين مثلا : ( ) tiktolna بمعنى " يقتلن " و " تقتلن ". وقد حدث مثل ذلك في العرب، وذلك في القرن السادس الهجري ؛ إذ يروي لنا الحريري ( المتوفى سنة 516 هـ ) أن العامة في عصره كانوا يقولون : " الحوامل تطلقن ، والحوادث تطرقن "، فيغلطون فيه ؛ لأنه لا يجمع في هذا القبيل بين تاء المضارعة والنون التي هي ضمير الفاعلات. ووجه الكلام أن يلفظ فيه بياء المضارعة المعجمة باثنتين من تحت ، كما قال الله تعالى : { تكاد السموات يتفطرن منه } وعلى هذا يقال : الغواني يمرحن ، والنوق يسرحن.
ويعلل " يوهان فك " لهذا السلوك اللغوي بأن العامة لم تعدلهم ألفة بصيغة المضارع المؤنث للمخاطب والغائب في حالة الجمع التي استعيض عنها في اللغة الدارجة بصيغة المذكر ، والتي امتازات في اللغة الفصيحة بنون النسوة ؛ مثل : يكتبن وتكتبن ، إزاء المذكر : يكتبون وتكتبون ، فهم عمدوا إلى التفرقة بين الجنسين ، بمجرد التاء أول الفعل في حالة جمع المؤنث الغائب ( تكتبن ) ظنّا منهم أن التاء هي علامة التأنيث في صيغ المضارع.
هـ - الموقف نحو هذه الظاهرة

ومن تلك الظاهرة التي نراها فيمكن أن نقول أن ظاهرة سيادة الحالة الواحدة من الحالات الإعرابية نوع من مظاهر التطور اللغوي. وإن التطور في رأينا لا يجري تبعا للأهواء والمصادفات أو وفقا لإرادة الأفراد، وإنما يخضع في سيرة لقوانين جبرية ثابتة مطردة النتائج واضحة المعالم محققة الآثار، فليس في قدرة الأفراد أن يقفوا تطور لغة ما ، أو يجعلوها تجمدا على وضع خاص.
وفي مجال التعليم والتعلم، يعني فيما يتعلق مع تلك الظاهرة اللغوية، فينبغي أن نذكر هنا :
1. ينبغي أن لا يفكر المعلم في استعمالها وسيطة في إكساب الدارسين مهارات استعمال اللغة العربية.
2. ينبغي أن يقتصر استخدام تلك اللهجات العربية عند الحاجة إلى ذلك، وهذا يعني عند إيتاء النماذج من اللهجات العربية مثلا إلى الدارسين.
3. ينبغي للمعلم أن يعرّف الدارسين أن ظاهرة سيادة الحالة الواحدة من الحالات الإعرابية إنما تقع في لغة دارجة ؛ أي اللغة التي يستخدمها المتكلمون في حياتهم اليومية، أو اللغة العامية ولا يقع في اللغة القياسية أو الفصحى.
4. ينبغي أن يكون المواد التعليمية و الأهداف التي يرمى إليها اللغة العربية هي الأهداف الدينية المركزة على تعليم القواعد فمن شأنه أن يتركز محتوى المواد الدراسية على مواد النحو والقواعد. وتستمد هذه المواد من كتب قواعد النحو العربية الفصحى مثل جامع دروس اللغة العربية والنحو الواضح والأجرومية وغيرها.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar